سورة فاطر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


هذا ابتداء تذكير بالله تعالى ودلالة على وحدانيته وصفاته التي لا تنبغي الألوهية إلا معها، والغيب، ما غاب عن البشر و{ذات الصدور} ما فيها من المعتقدات والمعاني ومنه قول أبي بكر: ذو بطن بنت خارجة، ومنه قول العرب: الذيب مغبوط بذي بطنه، أي بالنفخ الذي فيه فمن يراه يظنه شابعاً قريب عهد بأكل، و{خلائف} جمع خليفة كسفينة وسفائن ومدينة ومدائن، وقوله {فعليه كفره} فيه حذف مضاف تقديره فعليه وبال كفره وضرر كفره، والمقت احتقارك الإنسان من أجل معصيته أو ذنبه الذي يأتيه فإذا احتقرت تعسفاً منك فلا يسمى ذلك مقتاً، والخسار مصدر من خسر يخسر أي خسروا آخرتهم ومعادهم بأن صاروا إلى النار والعذاب، وقوله تعالى: {قل أرأيتم شركاءكم} الآية احتجاج على الكفار في بطلان أمر أصنامهم، وقفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه على أصنامهم وطلب منهم أن يعرضوا عليه الشيء الذي خلقته آلهتهم لتقوم حجتهم التي يزعمونها، ثم وقفهم مع اتضاح عجزهم عن خلق شيء على السماوات هل لهم فيها شرك وظاهر أيضاً، بعد هذا ثم وقفهم هل عندهم كتاب من الله تعالى ليبين لهم فيه ما قالوه، أي ليس ذلك كله عندهم، ثم أضرب بعد هذا الجحد المقدر فقال: بل إنما يعدون أنفسهم غروراً، و{أرأيتم} يتنزل عند سيبويه منزلة أخبروني، ولذلك لا تحتاج إلى مفعولين، وأضاف الشركاء إليهم من حيث جعلوهم شركاء لله، أي ليس للأصنام شركة بوجه إلا بقولكم فالواجب أضافتها إليكم، و{تدعون} معناه تعبدون، والرؤية في قوله {أروني} رؤية بصر، والشرك الشركة مصدر أيضاً، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم {بينات} بالجمع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والأعمش وابن وثاب ونافع بخلاف عنه {بينة} بالإفراد والمراد به الجمع، ويحتمل أن يراد به الإفراد كما تقول: أنا من هذا الأمر على واضحة أو على جلية، و{الغرور} الذي كانوا يتعاطونه قولهم إن الأصنام تقرب من الله زلفى ونحوه مما يغبطهم، ولما ذكر تعالى ما يبين فساد أمر الأصنام وقف على الحجة على بطلانها عقب ذلك بذكر عظمته وقدرته ليبين الشيء بضده، وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله تعالى، فأخبر عن إمساكه السماوات والأرض بالقدرة، وقوله {أن تزولا} معناه كراهة {أن تزولا}، ومعنى الزوال هنا التنقل من مكانها والسقوط من علوها، وقال بعض المفسرين معناه {أن تزولا} عن الدوران، ويظهر من قول عبد الله بن مسعود أن السماء لا تدور وإنما تجري فيها الكواكب وذلك أن الطبري أسند أن جندباً الجبلي رحل إلى كعب الأحباري ثم رجع فقال له عبد الله بن مسعود: حدثنا ما حدثك، فقال: حدثني أن السماء في قطب كقطب الرحا، والقطب عمود على منكب ملك، فقال له عبد الله بن مسعود: لوددت أنك افتديت رحلته بمثل راحلتك ورحلك، ثم قال: ما تمكنت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه، ثم قال: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} وكفى بها زوالاً أن تدور، ولو دارت لكانت قد زالت، وقوله {ولئن زالتا} قيل أراد يوم القيامة عند طي السماء ونسف الجبال، فكأنه قال ولئن جاء وقت زوالهما، وقيل بل ذلك على جهة التوهم والفرض، ولئن فرضنا زوالهما فكأنه قال ولو زالتا، وقال بعضهم {لئن} في هذا الموضع بمعنى لو.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قريب من الذي قبله، وقرأ ابن أبي عبلة {ولو زالتا} وقوله {من بعده} فيه حذف مضاف تقديره من بعد تركه الإمساك، وقالت فرقة: اتصافه بالحلم والغفران في هذه الآية إنما هو إشارة إلى أن السماء كادت تزول والأرض كذلك لإشراك الكفرة فيمسكهما الله حلماً منه عن المشركين وتربصاً ليغفر لمن آمن منهم، كما قال في آية أخرى {تكاد السماوات يتفطرن} [مريم: 90] [الشورى: 5].


الضمير في قوله {أقسموا} لكفار قريش، وذلك أنه روي أن كفار قريش كانت قبل الإسلام تأخذ على اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضاً وتقول لو جاءنا نحن رسول لكنا أهدى من هؤلاء وهؤلاء، و{جهد أيمانهم} منصوب على المصدر، أي بغاية اجتهادهم، و{إحدى الأمم} يريد اليهود والنصارى، والنفور البعد عن الشيء والفزع منه والاستبشاع له، و{استكباراً} قيل فيه بدل من النفور، وقيل مفعول من أجله، أي نفروا من أجل الاستكبار، وأضاف المكر إلى {السَّيِّئ} وهو صفة كما قيل دار الآخرة، ومسجد الجامع، وجانب الغربي، وقرأ الجمهور بكسر الهمزة من {السَّيِّئ} وقرأ حمزة وحده {السَّيِّئ} بسكون الهمزة وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة، ولحن هذه القراءة الزجاج ووجهها أبو علي الفارسي بوجوه منها أن يكون أسكن لتوالي الحركات كما قال: قلت صاحب قوم على أن المبرد روى هذا قلت صاح، وكما امرؤ القيس: [السريع]
اليوم أشربْ غير مستحقب *** إثماً من الله ولا واغل
على أن المبرد قد رواه فاشرب وكما قال جرير: [البسيط]
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم *** ونهر تيرى ولن تعرفْكم العَرب
وقرأ ابن مسعود {ومكراً سيئاً}، قال أبو الفتح: يعضده تنكير ما قبله من قوله {استكباراً}، و{يحيق} معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل إلا في المكروه، وقوله {إلا بأهله}، أي أنه لا بد أن يحيق بهم إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة فعاقبته الفاسدة لهم، وإن حاق في الدنيا بغيرهم أحياناً فعاقبة ذلك على أهله، وقال كعب لابن عباس: إن في التوراة من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ، فقال ابن عباس: أنا أوجدك هذا في كتاب الله تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، و{ينظرون} معناه ينتظرون، والسنة الطريقة والعادة، وقوله {فلن تجد لسنة الله تبديلاً} أي لتعذيبه الكفرة المكذبين، وفي هذا توعد بين.


لما توعدهم تعالى في الآية قبلها بسنة الأولين وأن الله تعالى لا يبدلها في الكفرة، وقفهم في هذه الآية على رؤيتهم لما رأوا من ذلك في طريق الشام وغيره كديار ثمود ونحوها، ويعجزه معناه يفوته ويفلته، و{من} في قوله تعالى: {من شيء} زائدة مؤكدة، وعليم قدير صفتان لائقتان بهذا الموضع، لأن مع العلم والقدرة لا يتعذر شيء، ثم بين تعالى الوجه في إمهاله من أمهل من عباده أن ذلك إنما هو لأن الآخرة من وراء الجميع وفيها يستوفى جزاء كل أحد، ولو جازى عز وجل في الدنيا على الذنوب لأهلك الجميع، وقوله تعالى: {من دابة} مبالغة، والمراد بنو آدم لأنهم المجازون، وقيل المراد الجن والإنس، وقيل كل ما دب على الأرض من الحيوان وأكثره إنما هو لمنفعة ابن آدم وبسببه، والضمير في {ظهرها} عائد على {الأرض} المتقدم ذكرها، ولو لم يتقدم لها ذكر لأمكن في هذا الموضع لبيان الأمر ولكانت ك {تورات بالحجاب} [ص: 32] ونحوها، والأجل المسمى القيامة، وقوله {فإن الله كان بعباده بصيراً} توعد وفيه للمتقين وعد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5